Site icon الهيئة العالمية لنصرة فلسطين والأمة

سلسلة مفهوم الأمة في ميزان حركات التغيير(2)

ثورات الربيع العربي في مرآة وحدة الأمة:


بدأت ثورات الربيع العربي من تونس بتاريخ 17 ديسمبر 2010م، وعلى الفور انتقلت موجاتها إلى مصر فهبّ الشارع المصري في كل مدن مصر الرئيسية، ثم ما لبثت أن انتقلت موجاتها إلى ليبيا ثم اليمن حتى وصلت إلى سوريا بتاريخ 15 مارس 2011م، ووصلت كذلك لدول مثل الجزائر والمغرب وغيرها ممن تأثر بها.
لم تنتقل تلك الموجات الثورية للشعوب التي لا تشكّل جزءا من الأمة الاسلامية الواحدة، بل انتقلت موجاتها الثورية من شعب لآخر ممّن يشكّلون حقّاً أمّة واحدة في هويتها الثقافية وتطلّعاتها السياسية، الأمر الذي يشير مرة أخرى لوحدة الأمة القائمة بين شعوبها العربية والإسلامية رغم وجود احتراب واختلاف بين الأنظمة الوطنية القابعة على رقابها.
الحركات الإسلامية بين أهداف ومآلات مشاريعها على وحدة الأمة:
استهدفت الحركات الاسلامية عموماً -ومنذ انطلاقتها-ثلاثة أهداف مشروعة وصحيحة، وهي:

نشر الدعوة وتمكين الدين في المجتمعات العربية والإسلامية.

تحرير البلاد من الاحتلال الخارجي والاستبداد الداخلي.

استرداد الدولة المعبرة عن هوية الأمة والحافظة لدينها والراعية لحقوق أهلها.

لا شكّ أنها أهداف جليلة تعبّر عن صوابية وحيوية الأمة المسلمة وعلمائها ومصلحيها، وهي أهداف ترتبط جميعها من حيث الفهم والمبدأ والتحقق بمفهوم الأمة الواحدة التي تشترك في الأهداف الثلاثة من حيث الفكر والانتماء والحاجة والدور الواجب.
فهل حافظت الحركات الاسلامية على أهدافها الثلاثة في مسار أعمالها بالذات السياسية منها، أم وقعت فيما يخلّ بتلك البنية، ويحدث فيها الفجوات؟
هذا ما يدعونا للنظر في تلك التجارب، حيث اخترنا وضع المجهر على مسيرة كل من حركة المقاومة الإسلامية حماس والثورة السورية المباركة، لا سيّما أنهما في أرض الشام الواحدة، حيث نستهدف نقد ودراسة تلك التجربة لاستخلاص العبر منها في جانبي تصوراتها القاصرة وأخطائها العملية، والعبرة المقصودة هنا بنوع أخطائها لا بخصوص مرتكبيها.
فلسطين وسوريا في سياق وحدة التاريخ والجغرافيا والسياسة:
من نافلة القول أن شكل وحجم الارتباط بين الساحتين الفلسطينية والسورية يكاد لا يترك جانباً لم يتقاطع فيه، ولا يقف الأمر عند حدود الجغرافيا المشتركة في أرض الشام التاريخية التي تفككت بالأمس القريب، بل إن الأمر يتعداه إلى تفاصيل التاريخ والثقافة والشعر والأدب والعادات والتقاليد والفلكلور والأمثلة الشعبية والدماء والمصاهرة واللباس وأنواع الطعام والتجارة والمذهب المتبع.. الخ.
كما أنّه لم يبذل أحدٌ جهداً في الثورة الفلسطينية كما بذل السوريون منذ تفكك الخلافة واحتلال بريطانيا لفلسطين مروراً بكل فترات الثورة الفلسطينية وانتفاضاتها المباركة.
لقد ارتبط تاريخ الجهاد والمقاومة في فلسطين بالمؤسس عز الدين القسام وهو من مدينة جبلة السورية، حيث قدم فلسطين وعمل مدرساً سنة 1920م، وتم تعيينه مأذونا شرعياً في حيفا عام 1930م – وقدّر الله أن يكون أحد عمومتي من الذين كتب عقد زواجهم الشيخ القسام رحمهم الله أجمعين- ، وكان فيما سبق يعطي دروساً في جامع الاستقلال بحيفا ثم أصبح إمامه وخطيبه، وأسس مع إخوانه جمعية الشبان المسلمين، ثم أعلن الجهاد في مواجهة المحتلين سنة 1935م، حيث انتبه إلى تدفق الصهاينة الغاصبين من خلال بريطانيا، واستشهد في نفس السنة بعد قتال ضار في أحراش يعبد قضاء مدينة جنين ودفن في بلد الشيخ قضاء حيفا، فقامت كل فلسطين ولم تقعد وكانت الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م حتى 1939م، وإلى اليوم فإن مسار الجهاد الذي خطه كل من الشهيد الشيخ عز الدين القسام والشهيد عبدالقادر الحسيني -الذي طالب والده موسى الحسيني سنة 1920م زمن الاحتلال البريطاني بانضمام فلسطين إلى سوريا وظل يقود المظاهرات إلى أن أوذي وتوفي على إثرها سنة 1934م في مواجهة الانجليز- هو المسار الصواب الذي شكّل مرجعية لكل الحركات الجهادية والمقاومة في فلسطين.
وإذا شئنا أن نكتب عن حجم التداخل بين سورية وفلسطين فلن تسعنا المجلدات مهما كثرت في وصف تاريخ مشرّف في نشر الدعوة والتمكين للدّين ومواجهة المحتلين، بل وفي كل الجوانب والميادين.
واليوم تشهد هذه الصورة ارتباكاً كبيراً في العلاقة بين حركة المقاومة الإسلامية من جهة والشعب السوري وحركاته الثورية من جهة أخرى، وذلك بسبب علاقة حركة حماس بإيران.
إيران التي شكّلت -وأذنابها- منعرجاً خطراً في الثورة السورية –كما العراقية- وألماً عميقاً ممتداً لم يترك بيتاً ولا أسرةً ولا جانباً في سوريا إلّا وأصابه.
وقد اتسعت الفجوة أكثر بين حركة حماس وحاضنتها الاستراتيجية السورية بعد أن أقدمت قيادة حماس على جرم عودة علاقاتها مع نظام بشار الأسد، النظام الذي لم يبقِ بيتاً في سوريا إلّا ونكبه في أفراد أسرته فغدو بين قتيل وجريح أو معتقل ومشرّد أو مختفٍ ومغيّب.
وسنحاول بسط الموضوع من خلال عرض تاريخ العلاقة بين حركة المقاومة الإسلامية حماس والجمهورية الإسلامية الإيرانية في العقود الثلاثة الأخيرة، كما سنعرض واقع العلاقة بين حركة حماس والسوريين، وتطورات المشهد خلال الفترة الممتدة منذ انتقال حركة حماس إلى سورية وحتى اليوم مروراً بحقبة الربيع العربي، وما اعتراها من مواقف، وخطورة الدور الإيراني الذي شكّل منعرجاً فيه

بقلم الدكتور عبدالله مضر أبو الهيجاء 30/11/2022

Exit mobile version