الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، والصلاة والسلام على المبعوث بالحقِّ والعَدل رحمة للناس أجمعين، وبعد،
فقد قال تعالى موجبًا نصرة المستضعفين وإنصاف المظلومين: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ [الأنفال: ٧٢].
وقال صلى الله عليه وسلم: “اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ” رواه مسلم.
ولقد تابع العلماء والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ببالغ الأسى والحزن صدور أحكام متفاوتة على ثُلَّة من خيرة علماء ودعاة الجزيرة العربية، ثُمَّ فُوجئ العَالم بأسره بتغليظ تلك الأحكام مرة بعد أخرى؛ حيث قد صدرت في الأيام الأخيرة مجموعة من الأحكام بالغة القسوة، وذلك على النحو التالي:
- الحكم على فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور ناصر العمر، بالسجن 30 سنة.
- الحكم على فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الرحمن المحمود بالسجن 25 سنة.
- الحكم على فضيلة الشيخ الدكتور عصام العويد بالسجن 27 سنة.
- الحكم على فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم الدويش بالسجن 15 سنة.
وإنَّ كثيرًا من هؤلاء العلماء الأجلاء قد بلغ من العمر عتيًّا، وكلُّهم من حملة كتاب الله عز وجل، وقد أفنوا أعمارهم وشابوا في الإسلام والدعوة إلى الله وتعليم الناس دينهم، وترأَّسوا مختلف الأقسام العلمية وعمادة الكليات الشرعية في بلاد الحرمين، وقد كان حقُّهم على الأُمَّة وحُكَّامها مَا أَمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: “إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ…” لا سجنهم والتنكيل بهم!
وهذه الأحكام الظالمة لم تُبنَ على أيٍّ من قواعد العدالة الإلهية المشروعة، ولا القوانين البشرية الموضوعة، بل مبناها على محض التخرُّص والظنون، وأهواء وبغضاء، مخلوطة برَهَق غيرِ مسؤول في القضاء، ومقصودُها النِّكايةُ في أهل الإسلام والسنَّة والتقرُّب إلى أعداء الدين والأُمَّة.
ومما يجب التنبه له والتنبيه عليه؛ أنَّ تشديد الأحكام على المعتقلين والمعتقلات على هذا الوجه الغريب المعيب؛ ليتضمَّنُ رسالة استئصالية، فيها إرهاصات تمهيدية لإصدار أحكام أشدّ بالإعدام بلا دفاع ولا محامين ضد بعض العلماء والدعاة المعتقلين، حيث طالبت جهات الادعاء في حقهم بعقوبة الإعدام ومن هؤلاء الشيخ الدكتور سلمان العودة والشيخ الدكتور عوض القرني والشيخ الدكتور علي العمري، وآخرون الذين لم تَصدُرْ في حقهم أحكامٌ حتى وقت تحرير هذا البيان، مع ما هم عليه من شِدَّة المرض وآلامه كالشيخ الدكتور سفر الحوالي.
وعلى هذا؛ فإن الجهات الموقعة على هذا البيان؛ لتعلن إنكارها هذا المنكر العظيم أشد الإنكار، وتدين بأشد العبارات ما يجري لأهل العلم والفكر والرأي والدعوة بالحسنى في بلاد الحرمين، مهبط الوحي، ومدرج الرسالة التي جاءت لتحرير الإنسان من كل ظلم وبغي وعدوان.
وإن الجهات الموقعة على هذا البيان لتؤكد على الأمور الآتية:
أولًا: وجوب الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع العلماء الأجلاء والمظلومين كافة، الذين لم تثبت ضدهم تهم وفق محاكمات منصفة وعادلة. وإن استمرار احتجاز هؤلاء العلماء وغيرهم بتهم باطلة، لَيُعدُّ جريمة شنيعة وظلمًا بيِّنًا، يجب على كل مؤمن بالله واليوم الآخر أن يسعى في رفعه ودفعه بكل سبيل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلِمُه” رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: “من نصرَ أخاهُ بالغيبِ نصرهُ اللهُ في الدنيا والآخرةِ” رواه الطبراني والحاكم.
ثانيًا: إنَّ تسييس أحكام القضاء فوق أنه يقضي على احترامه وهيبته؛ فإنه يسيء إلى منظومة الحكم، ويهدد سلم المجتمعات واستقرارها، وقد تمهد واستقر في محكمات التاريخ البشري ودروسه أنَّ الله يقيم الدَّولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدَّولة الظَّالمة، وإن كانت مسلمة.
ثالثًا: إنَّ تغييب العلماء عن ساحات المجتمعات المسلمة بالسجن والاعتقال الظالم، ومنعهم من نشر العلم الشرعي ومن الدعوة التي أمرهم الله بها، ما هو إلا إسلَام الأُمَّة إلى أَعدائها وتخلية الساحة لشذَّاذِ الأُمَم وأكابر المجرمين؛ بما يُؤْذِنُ بخرابٍ اجتماعيٍّ عظيمٍ، وانتشارِ أسبابِ الفتنة والتفرُّق والاحترابِ الداخليِّ، وتوسيعٍ لدوائر الإلحاد والأفكار الشاذة المناقضة لنصوص الوحيين ولأصول الشريعة ومقاصدها…
فإنَّ العلماء حملة ميراث النبوة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هم وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ” رواه ابن ماجه وغيره.
وقد توعد الله من يتعرض للأنبياء وللعلماء بأذى وقتل بأشد العذاب؛ فقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [آل عمران:21-22].
رابعًا: تتوجه الجهات العلمائية الموقعة على هذا البيان إلى الملوك والأمراء والرؤساء في العالم العربي والإسلامي بالتدخل للإفراج عن هؤلاء العلماء والدعاة الذين انتفع بهم المسلمون في العالم بأسره. وقد قال تعالى داعيًا وآمرًا بحفظ النفس البشرية: ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢].
خامسًا: يطالب الموقعون على هذا البيان المؤسسات العلمائية المستقلة والرسمية بالقيام بدورها وواجبها المنوط بها في السعي لنجدة المستضعفين من علماء ودعاة ومفكري المسلمين، كما يدعون عموم المؤمنين لمضاعفة الدعوة وتكثيف الدعاء لإنجاء هؤلاء العلماء.
سادسًا: تطالب الجهات الموقعة على هذا البيان منظمات حقوق الإنسان وجميع الهيئات العدلية في العالم باستنكار هذه الأحكام الظالمة، والسعي في إطلاق سراح هؤلاء المظلومين حماية لحقوق الإنسان التي أكدتها المواثيق الدولية كافة.
سائلين الله العلي القدير أن يُعجِّلَ بأسبابِ الفرج للمظلومين، وأن يرفع موجباتِ السخط عن سائر المسلمين، وأن يبرم لهذه الأمَّة أَمْر رُشدٍ يُعزُّ فيه الطائعون ويُهدى العَاصون، ويُحكَم فيه بالعدل والقسط والميزان، إنه برٌّ مجيب، سميعٌ قريب.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الموقعون:
الهيئات:
- منتدى العلماء
- دار الافتاء الليبية
- هيئة علماء فلسطين
- رابطة علماء فلسطين
- رابطة علماء المسلمين
- هيئة علماء ليبيا
- اتحاد العلماء والمدارس الإسلامية تركيا
- مجمع الخلفاء الراشدين الدعوي – غزة
- ملتقى العلماء
- مؤسسة المرتضى للدراسات والدعوة الإسلامية – إيران
- ملتقى دعاة فلسطين
- رابطة علماء أهل السنة
- الاتحاد السوداني للعلماء والأئمة والدعاة
- رابطة علماء المغرب العربي
- مركز تكوين العلماء – موريتانيا
- الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة
- الهيئة العالمية لنصرة فلسطين والأمة
مرفق نص البيان