Site icon الهيئة العالمية لنصرة فلسطين والأمة

حين تكون الخيارات محدودة

د/وائل الزرد

الأوضاع لن تنتظرك طويلًا، هذا بالإضافة إلى أن العالم يتربص بك، ولن يصبر عليك كثيرًا!

حماس

بقلم/الدكتور /وائل الزرد

يعيش الإنسان في بحبوحة من الاختيار حين تكون الخيارات أمامه كثيرة ومُتاحة، فينتقي منها ما يشاء، ويترك منها ما يشاء، وأحيانًا لكثرتها يبدأ باختيار الأكثر نفعًا وتحقيقًا للمصلحة، ولكن حين تغدو خيارتُه قليلة ومحدودة، يصبح الاختيار أمرًا عسيرًا، فالوقت ليس في يدك، والظروف لا تساعدك، والأوضاع لن تنتظرك طويلًا، هذا بالإضافة إلى أن العالم يتربص بك، ولن يصبر عليك كثيرًا!
وبعد: فما هي الخيارات المُتاحة في هذا الوقت أمام حركة المقاومة الإسلامية حماس؟
الحركة الآن في وضع صعب جدًّا، أصبح وجودها مهددًا في كل مكان هي موجودة فيه، ولا أريد أن أدخل في تفاصيل هذا التهديد والوعيد، حيث نُفذ بعضه في بعض الدول المستضيفة لقيادة حركة حماس، والدول الأخرى التي لا زالت تحافظ على وجود حركة حماس فيها، بعضها بدأ يتململ ويتهامس ويوصل كلامًا من تحت الطاولة وعبر الوسطاء، بأن الوضع صعب والضغط الأمريكي لا يُحتمل ولسنا دولة عُظمى، إلى غير ذلك من أعذار يتوهمون أنها مقبولة من طرفهم، وأن الأمن القومي يستلزم قَبولها والعمل بمقتضاها!
والذي لا يخفى على أحد من المتابعين أن حركة حماس تمر اليوم بانعطافات حادة، إذ العالم كله اليوم بات منشغلًا بذاته عن غيره، وكل نظام أصبح متسعدًا للتضحية بكثير من الأشياء في سبيل الحفاظ على استقرار الدولة التي يحكم، وحركة حماس هي الضحية السهلة -فيما يعتقدون- حيث لا وطن للحركة فيه استقرار، ولا موارد مالية للحركة فيها استغناء، ولا قوة للحركة عليها اتكاءٌ واعتماد، فهي حركة -وأقصد قيادتها- مفرقة في بعض الدول، وقد فعلت ذلك -طوعًا وكرهًا- ليسهل لها التعامل مع العالم؛ سياسيًّا وإعلاميًّا وغيره…
وفي مكة المكرمة التي كانت ظالمةً، كانت الخيارات أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- محدودة وضيقة، فإما أن يغامر بالسماح للصحابة بالرد على سفاهة المشركين، أو أن يأمرهم بالصبر ولا خيارَ غيره، فكان أن أمرهم بالصبر والتجلد، وتحمل الأذى، والصفح والعفو، {فَاعفوا وَاصفَحوا حَتّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأَمرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ} فقد كان هذا هو الخيار الوحيد والقرار الأوحد، وقد أذعن له كل الصحابة رضي الله عنهم، إلا من وجد في نفسه قوة ومنعة، وقد بدا لبعض الصحابة أن يختار رأيًا آخر، وصرح بهذا الرأي بين يد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد جاء في السيرة أن العباس بن عبادة قال بعد البيعة: «والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم» انظر: فقه السيرة النبوية.
وحركة حماس اليوم وهي تخوض غمار العمل السياسي، بين دول كبرى وعظمى، لها جيوشها وحكوماتها وأنظمتها، إنما تخوض معركة الوجود والشرعية معًا، فعالمُ السياسة اليوم ليس كالأمس، وفيه من الصعوبات والتعقيدات ما يحير الألباب ويجعل الحليم حيرانًا، فالعالمُ اليوم يشهد تجاذبات خطيرة، واصطفافات كبيرة، وليس من السهل أن تبقى على الحياد، في وقت باتت معظم الدول تحسم أمرها إما هنا أو هناك، فإن دخول حلبة السياسة لا يُسمح بالخروج منها.
وإن حركة حماس اليوم، وهي تحمل لواء الجهاد وراية القرآن، تحتاج لكل المخلصين لإسداء النصيحة والرأي، فهي وسط هذه المتغيرات العالَمية، مطلوب منها بمقتضى الحكمة أن تختار لشعبِها خيرَ الخيرين، وأن تُجنب شعبها شرَّ الشرَّين، وحين تختار هذا الرأي أو ذاك، لا تختاره أثناء جلوس قيادة الحركة على الأرائك يحتسون القهوة تحت المكيفات، بل إن بعض الآراء يأخذ أكثر من 12 شهرًا للبتِّ فيه، بعد استعراض للسلبيات والإيجابيات، وموازنة بين المصالح والمفاسد، الداخلية والخارجية، وبعد استشارة للناصحين الأمناء، واستخارة لرب الأرض والسماء، ثم يُعرض الأمر على مجلس الحركة الأعلى ليؤخذ القرار بالشورى، فتتبادل الآراء ثم يُحسم الخيار ويُتخذ القرار، والله تعالى يقول {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.

Exit mobile version