هشاشة إسرائيل وأسطورة “الجيش الذي لا يقهر”ذ عبد اللطيف العسلةباحث في العلوم السياسية.
تعود مقولة “الجيش الذي لا يقهر” إلى الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر، والذي استخدم هذه المقولة لوصف جيشه الروماني المتميز في الحروب والفتوحات، حيث كان يشار إلى الجيش الروماني بأنه “الجيش الذي لا يقهر”. ومنذ ذلك الحين، استخدمت هذه المقولة لوصف أنواع مختلفة من الجيوش التي تتمتع بالقوة والكفاءة والتحكم في المواقف المختلفة، ولا تزال هذه المقولة سارية في العديد من الثقافات واللغات حول العالم لوصف القوة العسكرية التي تحظى بسمعة جيدة في مجالات التخطيط الحربي والدفاع كما يوضح ذلك الفيلسوف والجنرال الصيني سون تزو في كتابه “The Art of War” ، وتستخدم هذه المقولة أيضا في المجالات غير العسكرية، مثل الأعمال والرياضة، لوصف فرق أو شركات تتمتع بسجل حافل من النجاح والإنجازات.
واستمرت هذه العبارة في وقتنا الحالي تشير إلى الجيوش التي تتمتع بالتكنولوجيا المتطورة والتدريب العالي، والتي تستخدم استراتيجيات مبتكرة في تطوير جيوشها وزيادة قدراتها العسكرية .
وغالبا ما استخدمت مقولة الجيش الذي لا يقهر في حقل الاستراتيجيات الحربية في إطار الحرب النفسية التي تهدف إلى تحقيق نتائج استباقية قبل بداية المعارك الأرضية وزحف الجيوش نحو أهدافها السرية منها والعلنية، وهو ما كان يردده رئيس وزراء أرمينيا المهزوم (نيقولا باشينيان) بأنّ جيش أرمينيا لا يقهر قبل هزيمته الأخيرة في القوقاز.
وفي ذات السياق نهجت الصهيونية العالمية نفس السياسة مع الفلسطينيين، ومن خلالهم مع محيطها من العرب والمسلمين، فعملت ترسانة إعلامية تروج من خلالها عبر العصابات المتطرفة والمذابح التي تستهدف المجمعات السكنية والمراكز الثقافية والاستشفائية دون أي مراعاة للأعراف الانسانية والمواثيق الدولية، ثم باستدعاء استقوائها بنفوذ الدول العظمى الداعمة لها في هيأة الأمم المتحدة والنظام الدولي، بأنها على رأس جيش لا يقهر، وبذلك هي حرب نفسية تريد من خلالها توزيع رسائل للفلسطينيين أن لا حاجة لِأَن تفكروا في استعادة أرضكم فلسطين، وليس أمامكم سوى أن تقبلوا راضخين بالمشاريع التي تطرحها الدول الكبرى والموالية وإملاءاتها والخضوع لمعطيات الأمر الواقع.
لكن، كل الأحداث ومجريات الحرب على الواقع أثبتت أن كل ذلك الزخم ليس إلا ترجمة صريحة واضحة لمقولة ” إنه نَمِرٌ لكن من ورق”.
و أكدت المقاومة الفلسطينية بكل أطيافها أن “إسرائيل تنكسر وتهرب إذا ما أرادت المقاومة ذلك” منذ الحرب على غزة صيف 2014م لتُعلن أن الجيش الذي لا يُقهر قهرته غزة ومقاومتها، بل وأقدمت المقاومة على أسر جنود الاحتلال من قلب دباباتهم المحصنة وهو ما أصاب المستوى الرسمي والشعبي في إسرائيل بالصدمة الكبرى.
ويطول الحديث عن إنجازات المقاومة الفلسطينية وما حققته من تقدم، رغم ظروف الحصار ومضاضة ظلم الجوار واتساع رقعة العدوان وهيمنة الأزمة الجيوسياسية بالمنطقة، ويكفي أن تكون النتيجة الصارخة حين انسحبت إسرائيل من غزة، وشيدت جدار الفصل العنصري حول الضفة الغربية.
وفي كتابه “الحرب والاستراتيجية” يوضح الكاتب الصهيوني “يهوشفاط هركابي ” أن جوهر الردع هو التهديد من طرف بإلحاق ضرر كبير بخصمه إذا اتخذ خطوة عدائية تجاهه، وسيكون الردع فعالاً إذا اعتقد الخصم أن الشخص الذي يهدده يمتلك القوة والقدرة والتصميم والأدوات على تنفيذ تهديده”.
إن ما يملكه الفلسطينيون من قوة معنوية تنبثق من عقيدتهم وشحنتهم الهوياتية، تجعلهم يُسقطون كل وحدات ميزان القوة والتكافؤ ومقاييس الردع التي يقاس بها بين الدول، لأنهم يقاومون من أجل استرداد أرضهم المقدسة وقبلتهم الأولى المسجد الأقصى المبارك، وهذا أفقد الاحتلال قدرته على الردع بكل ترسانته الحربية النفسية والمادية، فكل المعارك الأخيرة مع المقاومة الفلسطينية أكدت وباعتراف خبراء عسكريين وسياسيين صهاينة، أن ادعاء تحقيق الردع وهم وخيال أمام إرادة التحرير ويقين النصر.
جندي واحد بسلاحه القديم كسر كيان قوة الجيش الذي لا يقهر باعتراف تل أبيب والجنرالات العسكرية، طرحت تساؤلات حول تمكن مجند مصري وحيد من اختراق الحدود وقتل ثلاثة مجندين، وقد ساق التلفزيون الإسرائيلي عبر قناته الـ13 جملة من الأسلة التي تضع أسطورة الجيش الذي لا يقهر على المحك، وتشكك في البدهيات الاستراتيجية للدولة العبرية: “كيف تسلل الجندي المصري بمفرده إلى الأراضي الإسرائيلية؟.. كيف بقي جنود الجيش الإسرائيلي بلا حياة في الموقع لفترة طويلة”.. كيف لم يعرف أحد عن ذلك”.. كيف تجول الجندي المصري بحرية لساعات داخل إسرائيل ولم يتم القبض عليه”.. ولماذا لم يتم إقصاؤه من الجو بسبب التضاريس المعقدة؟”.
فكانت قسوة ما حصل أشد على جيش الاحتلال الذي اكتشف جوانب ضعف في بنية المراقبة والرصد والاستشعار، بعد أن كان يعتقد أنه قوة عسكرية ساحقة في الشرق الأوسط.
لكن المقاومة أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن زوال الاحتلال وتحرير فلسطين مرهون بالإرادة والإيمان فمتى تحققت تلك الإرادة تحقق النصر ورحل الاحتلال وقُهر الجيش الذي زعموا يوماً أنه لا يُقهر.
ليجد العالم أن المقولة المدوية في سماء فلسطين هي ” المقاومة التي لن تقهر”.