الفتور الدعوي
بسم الله الرحمن الرحيم
هو ذا النهار على مقربة! فلا تبتئس بتلك المحن التي تمر أمام ناظريك ولا يغرك الكسل كحال الكثيرين، ترقب من حولك وقد دب الفتور فيهم وبات الاعتذار عن العمل الدعوي سيد الموقف في أي مناسبة سواء كانت دعوية أو ترفيهية.. تطول لائحة التغيب فيبعث في نفسك برودة وتقاعس، فالتمس صبراً لخطواتك ولو كنت وحيداً وتنفّس حب العمل ولو كان بسيطاً ليشتعل الحافز للمبادرة عند غيرك.. كل لحظة تقدمها في خدمة دعوتك ستضيء لك الطريق لتتابع بعزمٍ وهمة..لن تكون وحيداً في هذا الميدان فهناك من يتمنى أن تتاح له الفرصة ليجني حسنات ويندفع ليغير في المجتمع..لن توأد الدعوة بغيابك بل أنت الذي ستفتقد بذور الخير في روحك بخمولك وكسلك..تجابهك أسئلة كثيرة هل حال الأمة وضعفها هو سبب التقاعس والخمول الذي بات كسرطان ينهش في مجالسنا الدعوية،أم أن عامل التفكك الحاصل في الأسر وضعف الجانب الإيماني والروحاني هو السبب المباشر لندرة الحماس لدى الشباب في أي نشاط دعوي يقام إن كان محاضرات أو جلسات تعبدية أو حتى ترفيهية.
مشاكلُ عديدة تلك التي تواجه العاملين في الحقل الدعوي، في كيفية استثارة الجميع للعمل بحماس، وطرد الفتور الذي يخيِّم على بعض الأشخاص، وكذلك ضمان التفاعل بين الأفراد لدرجة تصل بالعمل إلى ما تصبو إليه،فهل يا ترى ينقصهم عامل التحفيز أم أن عوامل كثيرة قد دفعت بالبعض للخمول والكسل.
فالتحفيزُ هو مجموعة الدوافع التي نستطيع أن نزرعها في نفوس الأفراد ونربطها بالفائدة العظيمة من أجر وثواب،فنبحث عن دوافع لتنتفض الرغبة في نفوس الشباب لأعمال دعوية عظيمة تصب في مصلحة العمل الدعوي في الدنيا، وابتغاء الثواب الجزيل من الله في الآخرة.
فعندما يشعر المرء أنَّه على ثغر من الثغور، وأنَّ العمل قد يؤتى من قبله، فتجده يقظا منتبهًا يخشى التقصير..وبالمقابل تجد من يتهرب من المسؤولية ويضعها على عاتق غيره وحجته دوماً الإنشغال والإعتذار. فهل هناك من عوامل كامنة داخل كل فرد نستطيع من خلالها معالجة هذا الخلل،ودفعه للعمل بهمة أم أن هذا التحفيز يصطدم أحياناً بمجموعة من المعوقات، والتي من أبرزها : الخوف من عدم النجاح أو الفشل في إدارة عمل دعوي معيّن ، أو الرتابة في العمل، أو كثرة المواعيد الشكلية الدنيوية التي نضعها في المرتبة الأولى قبل أي عمل دعوي، وتغليب التسويف على كثير من الأعمال، وعدم انجاز تلك الأعمال،الاتكال على بعض الأشخاص النشيطين في أكثر من مجال، قلة تدريب الأشخاص، وعدم توفير الدعم الفني لهم، أو قلة الوقت وقلة المصادر التي يحتاج لها لإنجاز العمل.
هل ترانا يوماً فهمنا معنى إكرام الله جل جلاله للعبد أن يجعله من الدعاة إلى الله الذين يرشدون الناس الى طريق الخير والفلاح،وأنه واجب على كل فرد وخاصة في هذا الزمن، فقد قال ابن الجوزي:( من أفضل مقامات العبودية الدعوة الى الله ) . وتكليف الله عزوجل للنبى صلى الله عليه وسلم بتبيلغ الدعوة هو تكليف لأمته كما صرحت بذلك الاية الكريمة :(( قل هذه سبيلى ادعوا الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وماأنا من المشركين))،ولعل من المواضيع المهمة التى يجب أن تُناقش هو كيفية تحفيز العاملين فى العمل الدعوي.
النفس البشرية جبلت بأن تكون أفضل أداءً وتميزاً فى حال قيامها بأعمال تحبها او تتقرب فيها إلى من تحب،ذكر سيد قطب: “فالقلوب المؤمنة التى انطوت على حب الله ورسوله وحب الدعوة اليه تجدها دائماً تهفو بمحبة الله فى كل حركة وعمل وسكنة من سكناتهم”.
فغرس مفهوم حب الدعوة الى الله هى طريق التربية الإسلامية الاصيلة التى يجب أن يعتنى بها الدعاة المربون والقادة فى ميدان العمل الدعوي فعندما تكون مناهج الدعوة التربوية فى كل مرحلة من المراحل تركز على هذا المفهوم يكون لدينا جيل دعاة باذلاً وقته وجهده فى سبيل الدعوة إلى الله مستمتعاً بما يقوم به مستشعراً الاجر فى ذلك رغم ما يتحمله من كثرة الاعباء. ولابد من تذكير النفس دوماً بأهمية ما نقوم من الدعوة الى الله وحاجة المجتمعات إليه وإنه الدليل الجلي على تعافي المجتمع من كدر الذنوب.
يقول سيد قطب: (( فالحب هذا الروح الساري اللطيف الشفاف الرائق البشوش هو الذى يربط القوم بربهم الودود)).
إن من رضي أن يكون فى ركب الدعاة آخذاً على عاتقه تحمل مشاق ومتاعب الدعوة فالاخوة الإيمانية التى طالما سمعنا عنها فى الخواطر والدروس تلك الاخوة الصادقة الركيزة الأساسية فى وحدة وتكاتف الصف الدعوي، لأن كثيراً منا يفتر عن العمل الدعوى بسبب فقدان الاجواء الاخوية والتواصل والدعوى وعلينا أن نقبل أعذار إخواننا فى حالة ضعفهم وندعولهم فى ظهر الغيب ونتواصل معهم وإن بعدوا عنا وإن جاؤونا قبلناهم وإنطلقنا معهم فى أجواء الدعوة الى الله يقول ابن عباس رضي الله عنهما:”أحبُ إخواني إليَّ أخٌ، إن غبت عنه عذرني، وإن جئتُه قَبِلَنِي”
وما أجملنا عندما نتحلى بأداب النصيحه ولانتصيد أخطاء الإخوان وعلينا أن نشيع جو البساطة والمودة والتكافل بين إخواننا فنهب لقضاء حوائج إخواننا ونسارع بإرسال الهدية الجميلة والرسالة اللطيفة فى حالة المناسبات السارة والمواساة فى أوقات الحزن والشدة والمرض. إن إحياء تلك الأجواء عامل رئيسى بعد توفيق الله فى ثبات إخواننا فى الدعوة والإستمرارية فى البذل والعطاء يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”.
هي فرصة لنراجع ما قدمناه في سجل حياتنا فهلا خبأنا بعضاً من الأعمال التي تقربنا إلى المولى عزوجل وقد زينها الإخلاص لتكون لنا باباً من أبواب الجنان يوم القيامة..عملك الدعوي ما هو إلا خبايا ليوم لا ينفع مال ولا بنون.
أسماء عبد الهادي القادري- الرفيد